كتب-محمد حلمى
امتلكت الدولة السعودية منذ تأسيسها تجربة ثرية وفريدة من نوعها في الفنون والموسيقى السمعية، حيث تعرف سكانها على أدوات الفن ومعزوفات الموسيقى مُنذ وقتٍ مبكر، ووجدوا فيها وسيلةً للتعبير عن فرحهم وحزنهم ومكنونات أنفسهم.
وتميزت مناطق الجزيـرة العربيـة بآلاتها المختلفة، وفنها الشعبي الذي عرفت به، فكان هذا التنوّع ميـزةً تضـاف إلـى تنـوع عاداتهـا وتقاليدهـا، حيث كانت الربابة في شمال الدولة السعودية، الآلة المفضلـة لـدى الأهالـي، وهـي آلة ذات وتـر واحـد مصنوعـة مـن جلـد غـزال أو ذئب حيث يتم دباغتها وترطيبها ومن ثم تُلف على مربع خشبي.
وتوصف الربابـة بموسـيقى الصحـراء السـاحرة، فـلا تخلـو مناسـبات أهالـي شـمال الجزيـرة واجتماعاتهم مـن صـوت الربابـة، فيها يلقـي الشـعراء قصائدهـم علـى الحضـور، مادحة لشـخصية بـارزة، أو محاربيـن مميزيـن، أو تعبيـرًا عـن فـرح أو مناسبة، ويصحـب ذلـك صـوت الربابـة الـذي يزيـد مـن الشـجن ويحلـّق بالفكـر ويسـعد النفـس.
وذكر لنا التاريخ عـدداً مـن الرجال ممن اشتهروا بأصواتهـم الشجية، وكان بعضهم ممن يستضيفهم شيوخ القبائل أو كبار شخصيات القبيلـة، ليعزف ويرفع صوته بأبيات مختارة مقابل مكافأة مالية يحصل عليها.
وللنساء أيضًا طقوسهن وطربهن، إذ يجتمعن فـي المناسـبات والأعياد، والأفـراح، فـي وقـت المسـاء، حيث يقسـمن أنفسـهن إلـى مجموعـات سـواء مـن سـت أو ثمـان أو عشـر من النسـاء، وذلـك اسـتعدادًا للغنـاء، فتبـدأ المجموعـة الأولـى بالغنـاء، وترديـد البيـت الأول خمـس مـرات، ثـم تعيـد الأخريـات مـا غنتـه المجموعـة الأولـى، ويُغنّى البيـت الثاني بالطريقـة نفسـها.
أما أهالي غرب السـعودية، فقد عرفوا الفـن والموسـيقى منـذ قديـم الزمـن، وكان لهـم آلاتهم الموسـيقية ورقصاتهـم المختلفـة التـي يزاولونهـا فـي أفراحهـم ومناسـباتهم، ويتجمعـون لأدائها ومشـاهداتها، ومـن أبـرزها “السمسـمية”.
كما استخدموا الطبـل فـي موسـيقاهم مثلهم مثل أهـل وسـط الدولـة السـعودية، التي استخدموها فـي الحـرب وفـي رقصاتهـم، مثـل: العرضـة والسـامري.
وتغنّى أهالي المناطـق السـاحلية كالبحّـارة، وصيـادي الأسـماك واللؤلـؤ فـي ميـاه شـرق الدولـة السـعودية بالأغانـي البحرية التـي تعتمـد علـى قـدرات صـوت المغنـي بيـن الصياديـن، فهم يغنـون عنـد رفـع الشـراع وعنـد طيـّه بمصاحبة بعض الآلات الإيقاعية، وذلك علـى ظهـور السـنابيك “سـفينة شـراعية”، وهـذا النوع من الإنشاد يكون مصاحباً للعمـل فـي البحـر، حيث يحبّب لهم العمـل، ويطـرد عنهـم الملـل.
وفي الصحراء لحّن الرجال والنساء من مختلـف الأعمار أشهر الألحان التـي تلحن علـى ظهـور الإبل فـي تلـك الفتـرة، ليخفـف عنهـم عنـاء السـفر وهـو مـا يسـمى بـ “الهجينـي”، يعبرون من خلاله عـن حبهـم، ومواقـفهم التي مـروا بهـا، أو عن حالتهـم، كما تغنى بهـذا اللحـن الشـعراء والمغنـون فـي جلسـات أنسـهم، والرعـاة فـي البـراري يؤنسـون وحشـتهم، والمسـافرون علـى ظهـور الإبل، كمـا غنـاه الفلاحـون، وهـم يسـوقون حيواناتهـم وهـي تجـر المحاريـث ليبثـوا فيهـا الحماسـة.
ولعـب البـدو الرحـل الذيـن يمتطـون جمالهـم، ويتنقلـون مـن مـكان إلـى آخـر فـي الجزيـرة العربيـة بحثًـا عـن المـاء، والرعـي، دورًا فـي نشـر لحـن الهجينـي فـي أماكـن عـدة، فترعـرع هـذا النـوع مـن اللحـن والغنـاء فـي أحضـان الصحـراء علـى ألسـنة الرعـاة، وبالرغـم أن هـذا الغنـاء يؤدي بـدون إيقاعـات موسـيقية، إلا أنه فـن جميـل خاصـة إذا كان مـن يرفعونـه يتمتعـون بحـلاوة الصـوت.
ومـن الألـوان الشـعبية التي لا تسـتخدم فيهـا آلـة موسـيقية “الحـدي” الذي يتغنّى النـاس بها وقت سقيا الإبل بواسطة إخـراج المـاء مـن البئـر، وهـو أحـد أنـواع الغنـاء الشـعبي، بالإضافـة إلـى حـدي المـورد وحـدي الخيـل، وحـدي الإبل.