سيناء مقبرة الغزاة.. من السلاح إلى السلام

كتب- محمد حلمي 

سيناء.. بوابة مصر الشرقية، ومقبرة الغزاة، ودرع مصر الشرقى، وواحدة من أكثر المناطق تعرضاً للهجمات العسكرية على مر العصور، بداية من غزو الهكسوس الذين احتلوها من عام 1660 إلى 1580 قبل الميلاد، إلى أن تم طردهم وتطهرت أرض مصر من وجودهم فى شمال سيناء بقيادة جيش أحمس الأول، ثم فُتحت سيناء من الجيوش الإسلامية بقيادة عمرو بن العاص، وذلك لنشر الإسلام فى مصر وأفريقيا، كما كانت سيناء طريقاً للمماليك المصريين لاستعادة الإمبراطورية المصرية فى فلسطين وسوريا فى القرن الثالث عشر، وأيضاً طريقاً للعثمانيين إلى مصر.

بعد احتلال نابليون بونابرت لمصر عام 1798، تغيرت وضعية سيناء بشكل كبير، حيث أصبحت شبه الجزيرة منقسمة بين الأراضى العثمانية فى الشرق والحكم الفرنسى فى مصر، ثم فى العصر الحديث، احتلت إسرائيل سيناء مرتين: الأولى عام 1956، والثانية عام 1967، واستمر الاحتلال الإسرائيلى حتى توقيع اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية فى أواخر سبعينيات القرن الماضى وانسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة.

كانت الخطوات الأولى على طريق التحرير بعد أيام معدودة من هزيمة 1967 قبل أن تندلع الشرارة بدء حرب أكتوبر بأكثر من ست سنوات، حيث شهدت جبهة القتال معارك شرسة كانت نتائجها صدمة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حيث بدأت المواجهة على جبهة القتال ابتداءً من سبتمبر 1968 وحتى السادس من أكتوبر 1973، وبدء حرب العبور التى خاضتها مصر فى مواجهة إسرائيل واقتحمت قناة السويس وخط بارليف وكان من أهم نتائجها استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس، واسترداد جزء من الأراضى فى شبه جزيرة سيناء وعودة الملاحة فى قناة السويس فى يونيو 1975.

دخلت أرض الفيروز بعد النصر طريق العمل السياسى والدبلوماسى بداية من المفاوضات والمباحثات حتى تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وتلاها توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل 1979، وعلى مدار 3 سنوات، حققت الدولة المصرية هدفها وتم الحصول على سيناء بعد الانسحاب الإسرائيلى وذلك يوم 25 أبريل عام 1982 حيث تم رفع العلم المصرى على حدود مصر الشرقية على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوب سيناء واستكمال الانسحاب الإسرائيلى من سيناء.

كان هذا هو المشهد الأخير فى سلسة طويلة من الصراع المصرى الإسرائيلى انتهى باستعادة الأراضى المصرية كاملة بعد انتصار كاسح للسياسة والعسكرية المصرية فى 25 أبريل 1982، وإعلان هذا اليوم عيداً قومياً مصرياً فى ذكرى تحرير كل شبر من سيناء فيما عدا الجزء الأخير ممثلاً فى مشكلة طابا التى أوجدتها إسرائيل فى آخر أيام انسحابها من سيناء، واستغرقت المعركة الدبلوماسية لتحرير هذه البقعة الغالية سبع سنوات من الجهد الدبلوماسى المصرى المكثف‏، حيث تشكلت لجنة خاصة لاستعادة طابا وهى (اللجنة القومية العليا لطابا)، وكانت تضم أبرز الكفاءات القانونية والتاريخية والجغرافية وهى اللجنة التى تحولت بعد ذلك إلى هيئة الدفاع المصرية فى قضية طابا والتى أخذت على عاتقها إدارة الصراع فى هذه القضية من الألف إلى الياء مستخدمة كل الحجج لإثبات الحق ومن أهمها الوثائق التاريخية التى مثلت نسبة 61% من إجمالى الأدلة المادية التى جاءت من ثمانية مصادر.

أصدرت هيئة التحكيم الدولية حكم تاريخى فى 29 سبتمبر 1988، ليسدل الستار بإنهاء ذلك النزاع وحسمه لصالح مصر، فى جلسة علنية عقدت فى قاعة المجلس الكبير بالمقر الرسمى لحكومة مقاطعة جنيف فى حضور وكيلى الحكومتين، وأعضاء هيئة الدفاع لكلا الجانبين معلنة عودة طابا إلى مصر، وذلك بعد إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر من مجموع 14 علامة بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد، وإثبات 4 علامات لصالح مصر بإجماع الأصوات الخمسة.

وأمتد عمل هيئة الدفاع المصرية بعد صدور الحكم ومراوغات إسرائيل فى التنفيذ إلى عقد جولات أخرى من الاجتماعات لتنفيذ حكم التحكيم وتسليم طابا بمنشآتها إلى مصر حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة بتسليم طابا فى 15 مارس 1989 ورفع العلم المصرى عليها فى 19 مارس من نفس العام، ويعتبر استرداد طابا بهذا الشكل من التحكيم والقضاء الدولى أول قضية يتم فيها تسوية النزاع الحدودى بين إسرائيل ودولة عربية، لتدخل سيناء بذلك مرحلة جديدة أملتها دروس هذا التاريخ الحافل بالأحداث والمعارك.

Related posts

Leave a Comment